فتوى: لا تعطوا المتسولين شيئاً
غزة- المتقدمون
قال الشيخ إحسان عاشور: لا تعطوا المتسولين شيئاً.
حيث أفتى مفتي خانيونس إحسان عاشور: من أعطى سائلاً بالأبواب، أو في المساجد والأسواق قرشاً واحداً فقد أعانه على امتهان التسوُّل، وترك التفكير في العمل والإنتاج والإيجابية ونفع المجتمع، وساهم بذلك في إيجاد جيش من المتسولين، ينهبون أموال الناس وصدقاتهم، وكان بذلك آثماً مأزوراً.
وهنا أذكر بحديث النبي صلى الله عليه وسلَّم: (( لا تَحِلُّ الصَّدقة لغنيٍّ، ولا لِذي مِرَّةٍ سَويٍّ )) أخرجه النسائي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه .
والمعنى: أن الصدقة لا تحِلُّ لغني عنده ما يكفيه ويَسُدُّ حاجته، ولا لقويٍّ قادر على الكسب والعمل، و لا يحِلُّ إعطاؤها لهما.
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
وفي ذلك أفتى علماء المسلمين وكانت فتواهم كتالي..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن التسول لا يحل إلا لثلاثة بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف قال: إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال: سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال: سداداً من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا.
رواه مسلم من حديث قبيصة.
فهؤلاء فقط هم من يَحل لهم السؤال، وغيرهم إنما يأكلون المال بغير حق. فانظري إلى حال المتسولين لتعرفي ما إذا كانوا ممن تحل لهم المسألة، فيكونون ممن أمرنا الدين بالإنفاق عليهم، أم أنهم ممن لا تحل لهم المسألة فلا يكونون منهم.
وإذا لم يكن المرء يعرف ما إذا كان المتسول هو ممن تحل له المسالة أو ممن لا تحل له، فلا بأس بأن يعطيه احتياطاً.
والإنسان إذا لم يجد ما يعطيه للسائل، فعليه أن يرد عليه رداً حسناً، قال تعالى: قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ {البقرة:263}.
وعليه، فما قالته المرأة للمتسولة من الدعاء هو المطلوب لمن لم يجد ما يعطيه للسائل، وأما الشتم الذي ردت به تلك المرأة فهو مما نهى عنه الشارع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. متفق عليه.
وروى الترمذي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء.
أنه لا يجب إعطاء كل سائل، ولا يأثم المكلف برد السائل ما دام يؤدي ما عليه في ماله من الحق، وإن كان إعطاء السائل من محاسن الأخلاق ومكارم الشيم، وإذا رد الإنسان سائلا فليكن رده رفيقا لينا بغير نهر ولا زجر، وهذا معنى الآية الكريمة، فالآية لا توجب إعطاء السائل ما سأله وإنما تنهى عن زجره ونهره.
قال ابن كثير: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ أَيْ فَلَا تَكُنْ جَبَّارًا وَلَا مُتَكَبِّرًا وَلَا فَحَّاشًا وَلَا فَظًّا عَلَى الضُّعَفَاءِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي رُدَّ الْمِسْكِينَ برحمة ولين. انتهى.
والذي ينبغي لك إن علمت أو غلب على ظنك صدق السائل وأنه محتاج أن تعطيه ولو شيئا يسيرا، وإن علمت أو غلب على ظنك عدم حاجته فلا تعطيه بل انصحيه إن لم يكن في نصحه مفسدة، وبيني أن السؤال مع الغنى من موجبات غضب الرب تعالى، ولا يمنعك الحياء من الإعطاء في محله فإنك تفوتين على نفسك بذلك خيرا.
وقد وجه إلى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى هذا السؤال: هناك حديث نبوي نصه: (للسائل حق ولو أتى على فرس) في مسندأحمد , فهل معنى الحديث: أن السائل إذا أتى ولو كان ظاهره عدم الفقر لابد أن يعطى؟ فأجاب بقوله: أولاً هذا حديث ضعيف لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام, لكن لا شك أن الإنسان من كرمه أنه إذا سئل لا يرد سائلاً ما لم يسأل محرماً, لقول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24-25] وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلاً عن الإسلام, فمن الأخلاق الفاضلة ألا ترد سائلاً, لكن إذا علمت أن هذا السائل يستكثر بسؤاله فانصحه, وذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم: من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر.
وما ذكرته من الأسباب الأخرى لا شك في أن بعضه حق، فقد كثر في زمانا الخداع وانتشر من يسألون الناس مع غناهم، ومن ثم كان التثبت في الإعطاء أمرا حسنا وأن يعطي الإنسان من يعلم أو يغلب على ظنه صدقه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لكن بلاءنا في الحقيقة في رد السائل هو أن كثيراً من السائلين كاذبون؛ يسأل وهو أغنى من المسؤول، وكم من إنسان سأل ويسأل الناس ويلحف في المسألة فإذا مات وجدت عنده دراهم الفضة والذهب الأحمر والأوراق الكثيرة من النقود! وهذا هو الذي يجعل الإنسان لا يتشجع على إعطاء كل سائل، من أجل الكذب والخداع، حيث يظهرون بمظهر العجزة وبمظهر المعتوهين والفقراء وهم كاذبون. انتهى.
والمرد في الإعطاء والمنع بحسب العلم أو غلبة الظن كما بينا.
انضم لقناتنا على التيلجرام من هنا؛ لمزيد من الوظائف والمنح والأخبار العاجلة.
التعليقات على الموضوع