صحيفة تكشف: محادثات جديدة في القاهرة للتوصل إلى تهدئة في غزة مع بداية عيد الفطر





المتقدمون 

في محاولة، هي الرابعة خلال شهر، تنطلق في العاصمة المصرية القاهرة محادثات جديدة يقودها الوسطاء بين حركة “حماس” وحكومة الاحتلال، من أجل التوصل إلى اتفاق تهدئة ينهي الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، قبل حلول عيد الفطر، حيث يضغط الوسطاء هذه المرة من أجل التوصل إلى حلول وسطية لتجاوز نقاط الخلاف الرئيسة التي أفشلت المحادثات السابقة، وأبرزها عودة نازحي الحرب لمناطق سكنهم.


ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر سياسي أن هناك اتصالات للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع بداية عيد الفطر.

مباحثات جديدة
وهذه المحادثات التي انطلقت في القاهرة تشابه تلك التي كانت قبل الجولة الأخيرة، والتي استضافتها العاصمة القطرية الدوحة، بوجود وفد من “حماس” وآخر من دولة الاحتلال يجريان “محادثات غير مباشرة”، ويريد الوسطاء التوصل إلى تهدئة قبل حلول عيد الفطر، الذي يهلّ بعد أيام قليلة.

وجاءت المحادثات الجديدة على وقع استمرار الحرب وتصاعد الهجمات الجوية والبرية لجيش الاحتلال ضد قطاع غزة، حيث قامت قوات الاحتلال خلال الساعات الـ24 الماضية، بارتكاب عدة مجازر في مناطق عدة في القطاع، أسفرت عن وقوع عشرات الضحايا بينهم أطفال.

وأعلنت مصادر طبية ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 33175، غالبيتهم من النساء والأطفال، إضافة إلى نحو 75886 مصاباً.


ويشرف على المحادثات مدير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، ورئيس المخابرات الأمريكية وليام بيرنز، ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وهم أعلى مسؤولين في جهات الوساطة، ما يعني أن هناك اهتماماً كبيراً من الوسطاء لتسوية الخلافات التي أعاقت التوصل إلى التهدئة في المحادثات الأخيرة.

وقد دفعت حركة “حماس” بأحد كبار مسؤوليها، وهو خليل الحية، عضو المكتب السياسي، لرئاسة الوفد، فيما يدور الحديث عن إرسال إسرائيل وفداً أمنياً رفيعاً.

وحسب ما يتردد من معلومات من أطراف مطلعة على المحادثات، فإن أبرز نقاط الخلاف التي لا تزال قائمة، تتمثل في عودة السكان الذين نزحوا من شمال قطاع غزة إلى مناطق الوسط والجنوب، وكذلك تواجد قوات جيش الاحتلال في مناطق قطاع غزة.

نقاط الخلاف
ولا تزال حكومة تل أبيب ترفض طلب حركة “حماس” سحب قواتها من كامل مناطق قطاع غزة، وتريد أن تبقى في المرحلة الحالية تلك القوات في المناطق الحدودية، وفي المنطقة التي تفصل شمال القطاع عن وسطه وجنوبه.


وفي هذا السياق، كشف النقاب في إسرائيل عن قيام قيادة الجيش بسحب “الفرقة 98” من القطاع، بعد 184 يوماً على الحرب، وذكرت إذاعة جيش الاحتلال أن تلك الفرقة انسحبت بشكل كامل من قطاع غزة، بعد نصف عام بالضبط من اندلاع الحرب، حيث لم يبق سوى “لواء ناحال” الذي يسيطر على طريق المحور الذي يقسم القطاع إلى قسمين، ومهمته هي منع عودة الغزيين إلى شمال القطاع.

وعلمت “القدس العربي” أن حركة “حماس”، كما المرة الأخيرة في المحادثات، ترفض العرض الإسرائيلي بعودة محدودة للنازحين، تشمل 2000 شخص يومياً، على أن تستمر العملية لعدة أيام، من فئات محددة هي النساء والأطفال والرجال كبار السن، وتطلب بأن تكون العودة مفتوحة بدون قيود، وبدون نقاط تفتيش من قبل جيش الاحتلال الذي يقسم القطاع إلى جزء في الشمال وآخر في الجنوب.

كما تطلب حركة “حماس” ضمانات لوقف إطلاق النار لعدم عودة قوات الاحتلال لمهاجمة مناطق غزة والشمال، بعد عودة النازحين، ووقف سياسات جيش الاحتلال، التي عمقت، منذ بداية الحرب، عمليات النزوح القسري للسكان، من خلال طردهم قسراً من أماكن سكنهم إلى مناطق أخرى، خاصة سكان غزة والشمال.


ويتردد أن هناك موافقة من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية التي تمثلها “حماس” على عودة النازحين على دفعات، لكن بلا قيود إسرائيلية، على أن تتوفر لهم كل مقومات الحياة في المناطق التي سيعودون إليها، ما يعني تشغيل المشافي والمراكز الصحية التي دمرتها قوات الاحتلال خلال فترة الحرب، على وجه السرعة، وكذلك المسارعة في إصلاح البنى التحتية، وإمداد كافة مناطق القطاع، خاصة غزة والشمال، بكل مستلزمات الحياة، وأساسها الغذاء.

وعلمت “القدس العربي” أن فصائل المقاومة التي أجرت، خلال الأيام الماضية، مداولات في ما بينها، بخصوص التهدئة، طلبت بأن يجري إمداد القطاع بما يحتاج من مواد تموينية، وفق تقديرات المنظمات الأممية المختصة بالإغاثة، والتي قدّرت حاجة القطاع لـ 500 شاحنة يومية.

كما تتشدد فصائل المقاومة تجاه مطلب “وقف إطلاق النار الدائم”، وأن تكون مرحلة الاتفاق لوقف إطلاق النار لستة أسابيع، هي مرحلة أولى تتبعها مرحلتان، لكن على مبدأ أن يجري الاتفاق على وقف إطلاق النار الدائم من المرحلة الأولى، بوجود ضمانات من عدة أطراف، تلزم إسرائيل بعدم العودة لمهاجمة قطاع غزة من جديد، خاصة أن إسرائيل رفضت التقيد وقطع التزام حول هذا المطلب، في المحادثات الثلاثة الأخيرة.


وينتظر، خلال المحادثات الحالية، أن يقدم الجانب الإسرائيلي اقتراحات جديدة بخصوص ملف النازحين، بعد رفض مقترحه السابق، الذي يشمل عودة 2000 شخص يومياً، ولم يكشف بعد إسرائيلياً عن حدوث أي تعديل في موقف حكومة تل أبيب، بخصوص هذا الملف، لكن هناك توقعات بأن تحدث حلحلة في الملف، بسبب الضغط الأمريكي الأخير والدولي على حكومة تل أبيب.

ويتردد أن هذا الضغط، ومكالمة الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، التي وصفت بـ “المشحونة”، هي ما دفع حكومة تل أبيب للعودة إلى طاولة المحادثات، خاصة أن إسرائيل زعمت، بعد فشل آخر محادثات أجريت قبل أسبوع، أنها قدمت “تنازلات” رفضتها “حماس”، وأنها لن تقدم أي “تنازلات” أخرى، محملة “حماس” مسؤولية فشل تلك الجولة.

ووفق ما كشف، فإن بايدن طلب من نتنياهو توسيع صلاحيات الوفد المفاوض وقف القتال في غزة، خارج سياق صفقة تبادل الأسرى، بعد أن أنذره بأن الإدارة الأمريكية لن تتمكّن من دعمه، ما لم تغيّر إسرائيل مسارها في غزة.

هذا وسيحتاج المفاوضون الإسرائيليون إلى تفويض أكبر من قبل الحكومة، قبل بدء جولة محادثات القاهرة الجديدة، خاصة أن التفويضات السابقة لم تكن بالقدر الذي طالب به قادة أجهزة الأمن، الذين يشاركون في المحادثات.


الفلسطينيون غير متفائلين
والجدير ذكره أن هذه المحادثات الجديدة، جاءت بعد اتصالات عن بعد جرت بين الوسطاء وقيادة حركة “حماس”، حيث أبلغ إسماعيل هنية الوسطاء أن أي جولة تفاوض يجب أن تتم على مبدأ وقف دائم لإطلاق النار.

وكانت حركة “حماس” أعلنت أن وفدها القيادي سيتوجه الأحد للقاهرة بناءً على دعوة مصرية، وأعلنت تمسكها بموقفها، الذي قدمته في 14 مارس الماضي، لإنهاء العدوان، وأنه لا تنازل عنه.

وفي غزة لا يعلق السكان آمالاً كبيرة على هذه المحادثات، بسبب فشل جولات الحوار الثلاث الأخيرة خلال شهر، والتي انطلق أولها قبل أيام من شهر رمضان، والتي كان يؤمل منها التوصل إلى تهدئة تمتد لستة أسابيع، يتخللها تنفيذ صفقة تبادل أسرى.

ومن غير المؤكد أن يمثل حلول العيد عامل تأثير على حكومة تل أبيب، لتغيير موقفها المتشدد من المفاوضات بسبب الضغط الدولي، خاصة أنها لم تأبه لهذا الضغط خلال شهر رمضان.


واستذكر سكان غزة معايشتهم سابقاً لحروب شنّتها إسرائيل ضد القطاع، في شهر رمضان، ومضت حتى ما بعد العيد، وهي حرب صيف العام 2014، والتي امتدت وقتها لـ 51 يوماً، وحرب شهر مايو عام 2021، والتي جاءت في نهايات شهر رمضان، واستمرت إلى ما بعد العيد.

وقال خليل سلطان، وهو نازح من شمال قطاع غزة، ويقيم في وسط القطاع: “نتابع الأخبار يوم بيوم، وبدنا تهدئة”، وأضاف: “لكن ما حد عارف كيف، ومتى بتصير”.

وأكد هذا النازح الذي يقيم وأسرته في محل تجاري قيد الإنشاء، وقد ستر بوابته بقطع قماش، أنه يتمنى انتهاء الحرب والعودة إلى مكان سكنه، لكنه قال إنه غير متفائل بهذا الأمر في جولة التفاوض الحالية.

ولم يبد مواطنون آخرون بعضهم نازحون اهتماماً بهذه المحادثات، وقال أبو زايد، وهو رجل في نهاية العقد الخامس: “المرات السابقة كتير اهتمينا بالمتابعة، وكنا نعتقد أنهم (المفاوضون) سيتوصّلون إلى اتفاق، لكن ما صار إشي، وكل مرة هيك بيصير”، لافتاً إلى أن تصاعد حدة الحرب عما كانت عليه، وقلة المال والطعام، جعلتهم يهتمون بالبحث في هذا الوقت عن كيفية تدبير أمور أسرهم وتوفير الطعام لها.


وتأتي هذه الجولة في الوقت الذي تتسع فيه الاحتجاجات الإسرائيلية ضد حكومة نتنياهو، والتي تطالبها بعقد صفقة تبادل سريعة مع حركة “حماس”، وترفض المماطلة والتسويف، التي تتبعها حكومة تل أبيب.

وقد أصدرت عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة بياناً اتهموا خلاله نتنياهو بمواصلة المماطلة في المفاوضات.

وشدّد أهالي وعائلات الأسرى، وفق ما نقلت هيئة البث الإسرائيلية، على أنهم مستمرون في العمل من أجل “إزاحة” نتنياهو من منصبه.

وتستفيد حركة “حماس” في هذا الوقت من الضغط الدولي الكبير على حكومة نتنياهو، وكذلك من الضغط الداخلي الإسرائيلي على هذه الحكومة.

وضمن محاولات زيادة الضغط على نتنياهو، كان الجناح العسكري لحركة “حماس” “كتائب القسام”، قد وجّه رسالة إلى عوائل الأسرى، كانت عبارة عن رسم كاريكاتير لأسيرين إسرائيليين يتحاوران، وقد علقت على الرسم: “حكومتكم تخلّت عن أبنائكم كما تخلّت عن شاؤول وهدار من قبل”.

وجاء ذلك بعد أن أعلن جيش الاحتلال أنه تمكن من إعادة جثة إسرائيلي أسير من غزة، خلال عملية عسكرية، غير أن الكشف بأن هذا الإسرائيلي قتل بسبب الهجمات الإسرائيلية، بعد أن أسر يوم السابع من أكتوبر حياً، زاد الضغط على حكومة تل أبيب، حيث زاد مخاوف عوائل الأسرى من مقتلهم بسبب استمرار الحرب، على غرار آخرين كثر من الأسرى الإسرائيليين أعلن عن مقتلهم بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية الدامية.

وانتقدت شقيقة هذا الأسير تقاعس حكومتها تجاه إنقاذ شقيقها قبل مقتله في القطاع، قائلة إن ذلك كان ممكناً في حال توصلت قيادة بلدها التي وصفتها بـ “الجبانة” إلى صفقة لتبادل الأسرى مع “حماس” في الوقت المناسب.


وقالت: “تم اختطاف إلعاد من منزله في نير عوز حياً وبصحة جيدة، وتم تصويره مرتين أثناء وجوده في الأسر”، وتابعت: “قيادتنا جبانة وتدفعها الاعتبارات السياسية، ولهذا لم يتم إطلاق سراح شقيقي”.

محاولات إسرائيلية
وقد حاولت إسرائيل، خلال الـ 48 ساعة الماضية، تخفيف حدة الضغط الدولي عليها، حيث سمحت بمرور شاحنات محدودة تقل مواد تموينية ووقوداً لمناطق غزة والشمال، وهي مناطق كان سكانها يعانون من الجوع وقلة الدواء والعلاج.

وفتحت إسرائيل معبر بيت حانون (إيرز) شمالي القطاع، بعد أن أغلقته في اليوم الأول للحرب، وسمحت من خلاله بمرور شاحنات مساعدات لغزة، كما قررت استخدام ميناء أسدود لنقل المساعدات إلى القطاع، بعد تفاهمات أجرتها مع برنامج الأغذية العالمي.

لكن ذلك لم ينهِ أزمة الجوع في مناطق غزة والشمال، حيث لا يزال السكان هناك يعانون من قلة الطعام وندرته، ومن تدني مستويات الخدمات الصحية.


ولذلك أكد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن فتح بعض الممرات الجديدة للمساعدات الإنسانية في قطاع غزة “لا يكفي لمنع المجاعة”، وطالب بـ “التطبيق الفوري” لقرار مجلس الأمن الدولي الملزم رقم 2728، الذي يقضي بوقف إطلاق النار في قطاع غزة خلال شهر رمضان، والذي رفضته إسرائيل.

وفي السياق، كان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيث، وصف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بأنها تمثل “خيانة للإنسانية”.

وكتب منشوراً على منصة “إكس” قال فيه: “نهاية حرب غزة طال انتظارها”، وأضاف: “ألا يكفي 6 أشهر من الحرب حتى تكون هناك لحظة حداد لإحياء ذكرى الضحايا”.

ليست هناك تعليقات